اصطياد أشباح الماضي: السينما كعلاج نفسي

هل هم سجناء سابقون أم تقنيون وفنيون في مجال السينما أم ممثلون يجسدون شخصيات مرت بتجربة الإعتقال بالسجون الإسرائيلية؟
يصعب التصنيف في فيلم رائد أنضوني “اصطياد أشباح”. بل يمكن القول أنهم كل ذلك ويقومون بكل هذه الأدوار في نفس الوقت.
يبتدئ كل شيء في الفيلم بما يشبه عملية كاستينغ. يستجوب المخرج نفسه، رائد أنضوني، مجموعة أشخاص جاؤوا استجابة لنداء نشره في الصحف لاختيار ممثلين وتقنيين استعدادا لتصوير عمل سينمائي جديد حول تجربة الإعتقال سجن المسكوبية بالقدس. هذا بالظبط هو القاسم المشترك بين كل هذه الشخصيات. فكل واحد من المستجوبين مر في مرحلة من مراحل حياته بهذا السجن الرهيب واحتفظ بذكريات وندوب نفسية من هذه التجربة.

من فيلم اصطياد أشباح لرائد أنضوني

يبدي أنضوني قدرة كبيرة على الاستماع لكل أعضاء فريق عمله. فالتقنيون وفنيو الديكور هنا مدعوون لإعادة بناء ديكور وفضاءات هذا السجن انطلاقا من تجربتهم الشخصية ومن شهادات زملائهم في فريق العمل. والمتفرج نفسه مدعو لمرافقة فريق عمل الفيلم وهو يبني ديكور الفيلم الموعود. يختلف أعضاء فريق عمل الفيلم أحيانا بينهم حول بعض تفاصيل شكل مكتب التحقيق أو حول مساحة زنزانة معينة أو حول ادوارهم في الفيلم. لان منفذ الديكور هنا ليس فقط لتنفيذ ديكور كما يمليه عليه مهندس ديكور، بل هو نفسه معتقل سابق مر من نفس السجن، أي أحد شخصيات الفيلم.
إنها طريقة غير اعتيادية تدعو سجناء سابقين لإعادة بناء زنازينهم ثم إعادة تمثيل ما تعرضوا له من تعذيب داخلها. يصبح الفيلم هنا مغامرة نفسية تحيي ندوبا في شخصياته وفريق عمله.

بين قسوته على ابطاله واستفزازهم لاستخراج ذكرياتهم الأليمة عن تجربة الإعتقال، وحرصه على عدم جرح مشاعرهم واحتواء كل انفعال لأحد شخصيات فيلمه، يلعب رئد أنضوني على حبل رقيق، يفصل بين الواقع والخيال، وبين الذاتي والموضوعي.
يصفه أحد مساعديه خلال التصوير بأن له ميولا رهيبة في السيطرة على كل شيء. وهو يثبت فعلا بأنه مناور بارع. فرائد أنضوني يستعيد من خلال قصصهم تجربة اعتقاله في السجون الإسرائيلية في بداية شبابه والتي سبق له معالجتها بأسلوب لا يقل ابداعية ولا سخرية في عمله الوثائقي الأول “صداع” . فهنا أيضا اختار أسلوبا إبداعيا لمعالجة موضوع يشغله شخصيا ويحاول طرد أشباحه الذاتية من خلال السينما وبعيدا عن لغة المعالجة المباشرة أو الخطابية.

مزجه بين تقنيات الفيلم التسجيلي والروائي، وحضوره شبه الدائم لإدارة دفة الأحداث أو احتواء إكراهات العمل تجعل منه فيلما ذا قالب متميز يضعه ضمن خانة الوثائقي الإبداعي.

وكان فيلم “اصطياد أشباح” للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني، الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الوثائقي للدورة 24 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط قد حاز على جائزة أفضل فيلم تسجيلي للدورة 67 لمهرجان برلين السينمائي.

محمد عادل السمار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

X