اختيار نبيه ذلك الذي أقدم عليه مهرجان مراكش في دورته الثامنة عشر التي اختتمت مؤخرا، بجمعه في واحدة من محادثاته بين نجمتي التمثيل التونسية هند صبري والإيرانية غولشفته فرحاني. مساران يتقاطعان حينا ويفترقان في أحيان أخرى، لكنهما يتواصلان معا بنبرة غضب نسائية طافحة ونزوع عميق نحو الخرق والتحرر.
على المنصة، كانت الكيمياء جلية بين النجمتين اللتين توقعان التألق خارج بلديهما، ببعد عالمي لواحدة وعربي لأخرى. تكتشفان معا أنهما ركبا السفينة المغامرة في ذات السن المبكرة. في 14 عاما، كانت هند تقف أمام مفيدة التلاتلي، تؤدي ما خطه الكبير نوري بوزيد الذي كان وراء اقتراحها لخوض تجربة لم تكن تعني لها شيئا، لولا تشجيع والديها، هي التي كانت شغوفة أكثر بالقراءة ومسار التحصيل. دخول من الباب الواسع في “صمت القصور”.
غولشفته، ابنة كاتب معروف، لكنه للمفارقة كان رافضا لقدر سينمائي بلا ضفاف يتربص بابنته. بدأت مع “شجرة الإجاص” للمخرج دريوش مهرجوئي.
تجري مياه تحت الجسر ثم تنفتح النوافذ. تطل هند على أوسع جماهير الشاشة العربية بفيلم “مذكرات مراهقة” للمخرجة إيناس الدغيدي. صدمة جماهيرية تجاه جرعة “زائدة” من الجرأة، لكنها في ذات الوقت محطة انطلاق نحو الصف الأول من نخبة الممثلات اللواتي جمعن بين سينما المؤلف بأدوارها المركبة وأفلام الشباك ذات الانتشار الواسع.
أما غولشفته، فقفزت نحو العالمية مع مخرج كانت لم تسمع باسمه من قبل. ريدلي سكوت في “كتلة الأكاذيب”. القفزة مزدوجة، لأن الفتاة كانت قد أصبحت شخصا غر مرغوب فيه في بلدها، وقد حانت لحظة التحليق، التي تزاوج فيها الاضطرار والإرادة معا. وأما الأكاذيب فوقود يحرك سعي النجمتين معا في صراعهما مع أوهام الشرق ونفاقه والجدران السميكة التي يبنيها حول نسائه.
هند وغولشفته يحملان معا كتلة غضب سحيق، لكنها لا تحيد بهما عن طريق الفن الحقيقي، الذي لا يختزل في شعار سياسي أو موقف نضالي. إنهما تبحثان عن نصوص وأحوال تحقق طموحاتهما في العيش بنغمة التعدد والاكتشاف وتقاسم الأوضاع الانسانية اللانهائية. لست مناضلة ، تقول هند، وتؤمن عليها غولشيفته.