أحداث ذات دلالة في المهرجان الوطني للفيلم

يفتتح اليوم المهرجان الوطني للفيلم في دورته العشرين بعرض فيلم “أحداث بدون دلالة” لمصطفى الدرقاوي في نسخة مرممة.

هذه النسخة الجديدة التي ستتاح اليوم لعديد من متتبعي السينما المغربية اليوم اكتشافها أو إعادة اكتشافها، هي نتيجة لعمل دؤوب وصادق من منصة الفنون والأبحاث “لوبسيرفاتوار” التي عملت منذ عام 2016، بتعاون مع “فيلموتيكا دي كاتالونيا” ببرشلونة، على صيانتها وترميما وأن تعيد الفيلم للواجهة وتهبه حياة جديدة.

بعيدا عن الجانب الاحتفائي بالفيلم وصانعيه، والذي توج بعرض خاص في منتدى مهرجان برلين الأخير، يطرح علينا عرضه اليوم أمام جمهور مغربي وفي مهرجانه الوطني للفيلم عدة تساؤلات من المفترض أن تفتح لنا شهية مناقشتها.

بدءا، لا يمكن إلا نحيي جمعية “لوبسيرفاتوار”، وخاصة ليا موران المنسقة العامة لهذه المبادرة، والتي أخذت على عاتقها ترميم هذا الفيلم المؤسس للسينما المغربية واستعادة جزء من ثراثنا الثقافي وذاكرتنا الجماعية. وهو للتذكير ليس الفيلم المغربي الوحيد الذي لم نعد تتوفر على نسخة منه ولا تتاح اليوم فرصة مشاهدته حتى بالنسبة للمهتمين والنقاد والباحثين. ولعل آخر مثال وقفنا عليه في هذا الصدد هو ما حصل خلال حفل تكريم  المخرج المغربي الجيلالي فرحاتي في الدورة الاخيرة لمهرجان مراكش للفيلم. فمن خلال استعراض أعمال المخرج المكرم، تأكد عدم توفر صور من الفيلم الأول للمكرم “جرحة في الحائط” (1977)، تلته لقطات من نسخة رديئة من فيلمه “شاطئ الأطفال الضائعين” (1991)، المشارك بدوره في أحد أكبر المواعيد السينمائية الدولية سنة انتاجه، مهرجان البندقية.

ما ذا يعني ضياع فيلمين على الأقل من الفيلموغرافيا المغربية الحديثة من المفترض أن المركز السينمائي مؤتمن عليها؟ وما الفائدة من التفاخر بمضاعفة “كمية” الانتاج السينمائي المغربي إذا كنا غير قادرين حتى على حفظها أو تثمينها لعرضها أمام كل راغب او مهتم؟ وكيف يتم اليوم حفظ الانتاج السينمائي الحديث المصنوع كليا بوسائل رقمية معرضة للتلف؟

ونتذكر هنا أننا نتوفر على سينماتيك وطنية توجد كبناية دون أن نرى لها أثرا في الواقع. سمعنا بتعيين مديرة لها قبل أكثر من سنة، دون أن نعرف كيف، ودون أن نسمع أو نرى لها برنامجا أو تصورا لما تريده بهذه السينماتيك. هل لديها مخطط للبحث عن هذه الافلام المفقودة وتوفير كل الفيلموغرافيا المغربية أمام كل راغب في الاطلاع عليها؟

ولا يخفى على متتبع أن القيمة الحقيقية لكل سينماتيك ليس هو جدرانها الاسمنتية أو عدد موظفيها، بل ما تزخر به مكتبتها من أعمال سينمائية وما نقوم به هذه المؤسسة للتعريف بمدخراتها السينمائية وتصنيفها وتقديمها لأكبر جمهور ممكن من المهتمين والجمهور الواسع.

وللعودة لفيلم “أحداث بدون دلالة”، فقد تم تصوير الفيلم في الدار البيضاء عام 1974، لكنه تعرّض لمنع مزاجي حال دون عرضه أمام الجمهور والنقاد في أكثر من مناسبة. نعرف اليوم بعضا من ظروف المنع المزاجي الغير مبرر الذي تعرض له الفيلم مباشرة بعد الانتهاء من إعداده قبل أن يتم “العفو” عنه سنوات بعد ذلك، وليعرض هنا وهناك في مناسبات معدودة. ولكن هذا المنع ثم العفو يدعونا اليوم مجددا لفتح نقاش عن مدى هامش حرية التعبير والإبداع التي تتيحها السينما المغربية. نسمع شكاوي من يعض المخرجين والمنتجين عما يواجهونه من ضغوط وإكراهات للتطرق لمواضيع معينة، مخافة الحرمان من الدعم العمومي، أو من تلكأ الادارة في منح تراخيص لتصوير أخرى. كما شاهدنا المنحى التصاعدي للرقابة المفروضة على أفلام أجنبية خلال مهرجانات سينمائية، ولكن قليلا ما نسمع نقاشا حقيقيا حول مدى حرية التعبير في السينما المغربية التي ما زالت تتجاهل الكثير من المواضيع الاجتماعية والثقافية والسياسية في البلد. أليس المهرجان مناسبة مواتية لطرحها؟ فما الذي تغير بين 1974، سنة منع “حداث بدون دلالة” واليوم؟ كنا نتمنى أن تطرح إحدى الغرف السينمائية المهنية الموضوع للنقاش خلال لقاء أو ندوة في المهرجان.

وهي مناسبة للتذكير بما أصبح يعيشه المهرجان الوطني للفيلم من فراغ ثقافي وفكري في السنوات الثلاث الأخيرة بعد أن تراجع عن طابعه التشاركي وتخلي الغرف والهيآت السينمائية الوطنية عن ادوارها ومبادراتها لتكتفي بالمشاهدة كجمهور للمهرجان.

لعلها اقتراحات يمكنها أن تصنع من المهرجان الوطني للفيلم أحداثا ذات دلالة…

محمد عادل السمار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

X