شاعرات من المغرب وأسبانيا وبنما يتحدين حصار كورونا للاحتفاء بالشعر والحياة

ليلى الشافعي

أبت مجموعة من الشاعرات من المغرب وبنما وإسبانيا إلا أن يتحدين الحظر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا على جميع أقطار الأرض، ويحتفين إلكترونيا باليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للشعر، مبرزات بذلك دور المرأة في تجاوز الأزمات بالإبداع، ناشرات جو التفاؤل وحب الحياة.

انطلق الملتقى، الذي نظمه منتدى مبدعات بلا حدود، كملتقى للإبداع النسائي، بحضور الفنان الموسيقي المتألق رشيد الشناني، في الساعة السابعة مساء، بكلمة رئيسة المنتدى رحبت فيها بالمشاركات، وعرفت بسياق الملتقى، وبالصعوبات التي تكتنفه قبل أن تعطي الكلمة للشاعرات والموسيقي لينسجن في تناغم منقطع النظير سمفونية تشيد بالحياة وبالأمل.

وبالنظر لظهور عدد من مشاكل الأنترنيت لم تكن في حسبان المنظمات، فضلا عن اكتشاف أن الميسينجر لا يحتمل أكثر من ثمانية مشاركين، فقد تم توزيع المشاركات إلى مجموعتين، ممددات بذلك زمن اللقاء من السابعة مساء حتى الحادية عشرة والنصف ليلا.

كانت أمسية ممتعة، صدحت فيها أصوات الشاعرات بقصائد عن الأمل والحياة والطبيعة والاحتباس الحراري والمرأة والجمال، رغم غياب واسطة العقد المكرمة خديجة شاكر التي لم تتمكن من الحضور لمشاكل تتعلق بالأنترنيت. 

وحسب رئيسة منتدى مبدعات بلا حدود، كان من المفروض تنظيم هذا اللقاء بدايةً، يوم 14 مارس في بنسليمان بشراكة مع جمعية بنسليمان الزيايدة، وذلك في إطار الدورة الأولى لملتقى الإبداع النسائي، التي كانت تحمل اسم دورة فاطمة شبشوب ، و”كانت ستكرم الفاعلة الجمعوية والثقافية رئيسة جمعيو الربوة للثقافة والفن المتميزة خديجة شاكر؛ وقد تم اختيار تاريخ 14 مارس للمزاوجة بين الاحتفال باليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للشعر، غير أن عمالة بنسليمان طالبت بتأجيله، بعد ظهور فيروس كورونا، مضيفة أنه تم تأجيل النشاط إلى 21 مارس، غير أن هذا التاريخ صادف الحظر الصحي، لذا تم اللجوء إلى استعمال التكنولوجيا الحديثة من أجل تنظيم هذا اللقاء والحفاظ على سلامتنا في ذات الآن” على حد قولها.

شارك في هذا اللقاء الإلكتروني شاعرات منهن المكرسات أسماؤهن ومنهن من ما يزلن يشققن طريق النشر، وهن على التوالي غلوريا يونغ من بنما ومترجمتها المغربية فاطمة لحسيني التي قرأت ترجمتها العربية، وماريا خوسي كارسيا مولينا من إسبانيا التي اتصلت من بيتها بمدريد، ومن المغرب كل من الشاعرات علية الإدريسي البوزيدي وزهور ازريق وخديجة إيكن وفاتحة المير وحكيمة الشاوي وخديجة زواق وعائشة التاج؛ في حين تخلفت عن المشاركة الشاعرة المغربية التي تكتب باللغة الإسبانية لطيفة العمارتي بسبب انعدام التغطية في بيتها بطنجة، وأيضا عائشة بلعربي (تكتب الشعر بالفرنسية) وثريا ماجدولين، اللتان اعتذرتا لأسباب شخصية، هذا مع المشاركة المتميزة للفنان الموسيقي رشيد الشناني من بيته، والذي شنف أسماعنا بأغان عن قصائد محمود درويش ونزار قباني وأخرى من تأليفه كأغنية “زهرة” و”أنا حرة”.

وذكرت رئيسة المنتدى المنظم لهذا اللقاء، أن الفكرة في الأصل كانت قراءة الشعر بستة ألسن، أربع لغات وطنية ولغتين للمستعمر، أي الأمازيغية والعربية الفصحى والزجل والحسانية ثم الفرنسية والإسبانية، لكن الظروف فرضت مساهمة الشاعرات بأربع لغات فقط؛ لكن ما ميز هذه الدورة أيضا هو تعدد مواهب هؤلاء الشاعرات، إذ منهن الفنانات التشكيليات والعازفات والموسيقيات ومغنيات الأوبيرا … الخ. 

كل واحدة من الشاعرات اختارت التطرق لتيمة معينة ميزتها، فالشاعرة البنامية غلوريا يونغ، تناولت في سيدوكاتها (نوع من الهايكو يسمح باستعمال الذات) المختارة من ديوانها “غزو الدهشة” الذي سيصدر باللغتين الإسبانية والعربية (ترجمة فاطمة لحسيني)، تداعيات عن الذات والمكان والطبيعة، مصورة بأسلوب شاعري صمت المكان الذي يترك لبراعم العنب فرصة للتألق، فيما تناولت الشاعرة الإسبانية ماريا خوسي كارسيا مولينا في قصيدتها الموسومة ب”اكويلاري” أي “دعاء الساحرات”، مآسي الاحتباس الحراري وعنجهية الإنسان المشغول بالحروب وجمع المال دون الانتباه لما يسببه سلوكه من أضرار بالطبيعة ومن ثمة بنفسه هو أيضا لأنه جزء من الطبيعة؛ فيما تناولت الشاعرة خديجة إيكن من ديوانها “توجوت تاقبورت” قصيدة “إليس ن تمازيرت” أو “ابنة الوطن” تحكي عن كيف يتفتح عبق الشعر كزغرودة عالية من قمم الجبال، وتجول الروح النسائية في جغرافيا وذاكرة المغرب تمتح من مدنه العريقة وضفاف أنهاره وتجاعيد هضابه ورمال صحرائه رحيق الأرض الشماء؛ فيما تلخص أبيات قصيدتها الثانية الموسومة ب”توجوت تاقبورت” أو “رائحة عريقة” جدائل امرأة تتألق خصلاتها بين ربوع الأرض تلامس أرواحا تحوم بين صهيل الخيول ومواويل تبعث من رقصات الينابيع وألق ثلوج القمم حيث يلتقي أريج الأرض مع أريج العلاقات الإنسانية في تكامل منسجم.

وتناولت الشاعرة والفنانة التشكيلية والموسيقية حكيمة الشاوي في قصيدتها الموسومة ب”معجزة أنثوية” تيمة المرأة وكل العطاء الذي تحبل به، وكانت قد كتبتها على حد تعبيرها، بمناسبة لقاء “الحنين الأول” الذي جمع عددا من المناضلات النسائيات المثقفات في بيت السيدة خديجة شاكر، والذي ستنبثق عنه جمعية الربوة، وهي مهداة، على حد تعبيرها، لخديجة شاكر الملقبة بسيدة الربوة، ومن خلالها لجميع نساء العالم أو نصف السماء كما تقول الشاعرة حكيمة الشاوي؛ فيما تناجي قصيدتها “أم الأرض” جميع الأمهات في العالم.

واستهلت الزجالة والحكواتية والفنانة المسرحية والتشكيلية زهور زريق مساهمتها بحكاية عن الشر والخير تلتها بنبرات صوتها الجهوري معربة عن باعها في مجال الحكاية والعمل المسرحي، كما قرأت قصيدتين الأولى موسومة ب”المكانة”، تتحدث فيها عن فلسفة الوقت وفلسفة الضدية، فالإنسان يُضَيِّعُ حاضره في الحنين إلى الماضي أو الخوف من المستقبل دون أن يعيش الحاضر، كما أن الأشياء لا تعرف إلا بأضدادها، فالضوء لا يعرف إلا بوجود الظلام والنهار لا يعرف إلا بالليل وبتعاقبهما يخلق الوقت، أما قصيدتها الثانية “إيلا كتاب وجيت” فهي رد على من يتصور أن المرأة كانت في غابر الزمن مسلوبة الإرادة والرأي والشخصية والإحساس بالمسؤولية، موحية أن هذه الأخيرة كانت صاحبة السلطة والقرار والرزانة والحكمة لكن خلف الستار كانت توهم الرجل المحب الذي، بطبيعته الذكورية يعشق السلطة والزعامة، أنه هو صاحبها.

من جهتها ألقت خديجة زواق قصيدتين جميلتين تزاوج فيهما بين الشعر والغناء بصوت أوبيرالي، مع ارتفاع في نبرات صوتها لدرجة إحداث قشعريرة لدى المتلقي، منتصرة للشعر النسائي ولفكرة أساسية مفادها أن المرأة هي مركز الكون، وهما قصيدتان قرأتهما من ديوانها الذي تعده للنشر والموسوم ب”ترانيم وغنائيات جلال اللهب”؛ كما تناولت الزجالة فتيحة لمير في قصيدتها “كورونات هي” كل الأهوال التي يعيشها الناس بسبب انتشار هذا الفيروس مما يدل على راهنية الشاعرة وتتبعها للأحداث، كما أنها تثير من خلال قصيدتها الأشباح ومرضى النفوس، الذين، وعلى مر الزمان يفتعلون الأوبئة لشن الحرب على شرائح من البشر، وإبادتهم لأنهم “يعيقون النمو الاقتصادي”، وذلك من أجل تحقيق هدفهم المتمثل في استغلال الخوف والهلع لبيع أكبر عدد من الأدوية والمواد الغذائية، وإشباع جشعهم وحبهم للمال، متناسين حب الإنسان للإنسان؛ فيما انتصرت قصيدتها الثانية الموسومة ب”تبسيمة الفجر” للمرأة في علاقتها بالرجل، إذ اعتبرت أن ليس عليها تحمل المعاناة والجراح لإسعاده، رافضة أن تكون مسبيته، يمارس عليها نزواته كيفما ووقتما شاء، مع إصرارها على أن تكون تلك الإشراقة المتجددة مع بزوغ كل يوم، وتلك العاشقة التي تهبه أكسير الحياة كلما اعتبرها سماؤه ووثاقه وندا له في الحب والحياة.

وقرأت الشاعرة عائشة التاج قصيدة نسائية تحمل عنوان “أصل الكون أنثى” تثير فيها المكانة المتميزة للمرأة التي تمثل أجمل المعاني كالحكمة والنور والخصوبة، معتبرة أن الحياة كانت أجمل وتتميز بالسلام يوم كانت الإلهة امرأة؛ فيما تناولت قصيدتها الثانية “انبثاق الربيع”، حوارا مع فصل الربيع وهو ينثر بهاءه على الأرض وتداعيات ذلك على الوجدان؛ وهي قصيدة تحمل عبير الأمل وسط هذا اليأس المستشري في العالم.

أما الشاعرة المقتدرة علية الإدريسي، فقد قرأت نصا موسوما ب”قبل أن ينتهي الوقت” تتحدث فيه عن تطلعاتها للمستقبل ورغبتها في الحب، فيما النص الثاني “لم لا تأت” فيتحدث عن لا جدوى هذه الحياة طالما هناك من قرر نيابة عنا إذ تقول في نهاية النص “كنت أريد أن أكون أنا/ لكن أبي أنجبني”.

وللتعرف على الشاعرات المشاركات، فغلوريا يونغ شاعرة من بنما تنشر بالإسبانية سبق أن تقلدت عدة مناصب دبلوماسية منها منصب سفيرة بنما في المغرب. بدأت تنشر الشعر عام 1987، سبق لها أن نشرت ثمانية دواوين شعرية وكُتب من تأليف فردي وجماعي طبعت في بنما والمغرب، كان آخرها مساهمتها في كتاب “الزعامة النسائية” الذي نشر سنة 2018 بالمغرب؛ أما الإسبانية ماريا خوسي كارسيا مولينا التي تشتغل كتقنية في التلفزيون الإسباني ورئيسة الرابطة الدولية للكتاب في شبكة ريد ماركيس دي برادومين، فقد نشرت رواية “كخطوط متجاورة” سنة 2017، وديوان شعري موسوم ب”أفكار في الليل” سنة 2019، ورواية “مثل خطوط متوازية” سنة 2020، ولها مجموعة قصصية غير منشورة بعنوان “الدين” ورواية “ثلاثون قدما من الأرض، ثلاثة من الزاوية” في طريقها للنشر.

وبخصوص المغربيات فقد سبق للشاعرة الأمازيغية خديجة إيكن أن نشرت مجموعة قصصية موسومة ب”أيام بوسنية” سنة 2019، وديوان هايكو بعنوان “مثل نهر طويل” سنة 2017 ورواية “نجمة المغيب” سنة 2012، وديوان “رائحة عريقة” 2011، وديوان “أقحوانة” سنة 2009. وقد سبق لها أن فازت بعدة جوائز سواء في مجال القصة أو الشعر الأمازيغي، أما الشاعرة علية الإدريسي فقد سبق لها أن نشرت ديوان “حانة لو يأتيها النبيذ” عام 2009، و”هواء طويل الأجنحة” سنة 2014، و”ظلال تسقط إلى أعلى” عن منشورات بيت الشعر 2015، كما صدرت ترجمة للأنجليزية لديوانها “هواء طويل الأجنحة” سنة 2017، وترجمة هندية سنة 2019، وأخيرا ديوان “أزهار تقلدني في السقوط” سنة 2018.

وبخصوص الشاعرة والفنانة التشكيلية والموسيقية حكيمة الشاوي فقد صدر لها ثلاثة دواوين هي “العشق المزمن” عام 1999، و”إشراقة الجرح والعشق” عام 2001، و”من يجرؤ على العشق؟” سنة 2015، ولها ديوانان الرابع والخامس جاهزان للطبع. ترجمت بعض قصائدها إلى الفرنسية والأنجليزية والنرويجية والبرتغالية، كما تم تلحين وغناء بعض القصائد ك”أنت ما أروعك!” و”عاشق مدمن” و”أم الأرض”؛ أما الشاعرة والكاتبة والناقدة عائشة التاج، فقد صدر لها ديوان موسوم ب”قلادة من نبض” فضلا عن قصائد منشورة ببعض الجرائد والمجلات الأدبية؛ فيما الشاعرة خديجة زواق يوجد في حوزتها ثلاثة دواوين شعرية قيد الطبع هي “ترانيم وغنائيات جلال اللهب” و”غنائيات الحجر” و”حديث الجثة”، كما سبق أن نشرت في الكتاب العالمي للشعر بصربيا، ومجلة المربد العراقية، ومجلة ميزوبوطاميا بسويسرا. وهي تزاوج بين الشعر والغناء وتمسرح قصائدها، كما أنها عازفة على آلة العود تخصص عود شرقي.

أما الكاتبة والزجالة والحكواتية والمسرحية والفنانة التشكيلية زهور ازريق، فقد صدر لها في مجال الزجل ست دواوين زجلية هي على التوالي: “غيبوبة العمر”، “مجنون هشومة”، “مجمع الكلام”، “إلى كنتي البراد لقامة هاذي”، “دردبة على محلات الكتبة” و”حروف النسا”؛ فيما للشاعرة والزجالة فتيحة المير ديوانين زجليين قيد الطبع، بعنوان “علام الخير” و”الحب …تبوريدة” وآخر فصيح موسوم ب”قصائدي المحروقة”.

وبخصوص الموسيقي المتميز رشيد الشناني الذي شارك في هذا الملتقى فهو فنان عازف على آلة العود، ملحن وزجال وكاتب كلمات، صدر له ألبوم “في حضرة محمود درويش، وله أغان كثيرة تعتمد قصائد شعراء كثر مثل محمود درويش ونزار القباني ومحمد المجاطي وفاتحة مرشد وعبد الهادي السعيد، ومحمد بنيس وحيدر الحمداني وبورخيس وغيرهم من الشعراء المغاربة والعرب والأجانب، كما أن في حوزته أغان كثيرة كتب كلماتها بنفسه تتحدث عن الأم والحب والموت وغيرها من الأسئلة الوجودية. 

وقالت رئيسة المنتدى الذي نظم الملتقى أن مسؤولين من جمعية بنسليمان الزيايدة تعهدوا بتنظيم الملتقى كما كان مقررا له قبل الحظر، وذلك بمجرد انتهاء فترة الحظر الصحي، وذلك حتى يتم تكريم السيدة المتميزة خديجة شاكر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

X